الحج من أركان الإسلام الأساسية التي يسعى المسلمون إلى أدائها، وقد يواجه بعضهم عوائق تمنعهم من أداء هذه الفريضة بأنفسهم، كالعجز بسبب المرض أو الوفاة قبل تحقيق هذا الركن. لهذا تثار تساؤلات كثيرة حول جواز أداء الحج بالنيابة عن هؤلاء الأشخاص.
أوضحت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي حكم الحج نيابة عن الآخرين، وأجازته استنادًا إلى رأي جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية (في القول الصحيح)، والحنابلة.
وفقًا لهذه الآراء، يجوز للمسلم أن يحج عن غيره في حالة العجز عن أداء الفريضة بنفسه.
واستدل الفقهاء بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، حيث جاءت امرأة إلى النبي ﷺ تسأله عن أداء الحج نيابة عن والدتها المتوفاة التي كانت قد نذرت الحج ولم تحج قبل وفاتها، فأجاز النبي ﷺ ذلك، وقال: "نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ؛ أَكُنْتِ قَاضِيَةً! اقْضُوا اللهَ؛ فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ"** (رواه البخاري).
اعتمدت دار الإفتاء في فتواها على نصوص جمهور العلماء، ومنها:
1. الحنفية: أشار الإمام أبو بكر الرازي في "تحفة الملوك" إلى جواز النيابة في حج النفل مطلقًا. كما قال ابن عابدين في "رد المحتار": "الحج إن كان نفلًا تصح فيه النيابة مطلقًا".
2. الشافعية: ذكر الإمام الشيرازي في "المهذب" أن الاستنابة في حج التطوع فيها قولان، والراجح أن الاستنابة جائزة للعاجز عن أداء الحج بنفسه.
3. الحنابلة: أكد الإمام ابن قدامة في "المغني" جواز الاستنابة في حج التطوع للعاجز، لأن ما يجوز في الفريضة يجوز في النافلة. كما أوضح البهوتي في "كشاف القناع" أن الاستنابة في الحج جائزة للقادر وغير القادر إذا تعلق الأمر بحجة غير مفروضة.
دار الإفتاء وضعت شروطًا لجواز الحج عن الغير، وهي:
1. أن تكون نفقة الحج مأخوذة من مال العاجز أو الميت إذا أوصى بالحج.
2. إذا لم يكن قد أوصى، يجوز للمتبرع تحمل نفقات الحج عن العاجز أو الميت.
3. أن ينوي النائب الحج عن الشخص المعني.
4. يُفضل أن يكون النائب قد أتم حجة الإسلام عن نفسه أولًا.
تشمل نفقة الحج جميع التكاليف الضرورية، كتكاليف السفر (برًا أو بحرًا)، والطعام، والشراب، والإحرام، والمسكن.
وأكدت دار الإفتاء أن النائب يجب أن يحج عن الميت أو العاجز من بلده إذا كان قد أوصى بالحج.
أما إذا لم يوصِ، فيمكن للنائب البدء بالإحرام من الميقات، وفقًا لرأي الشافعية، لتخفيف التكاليف عن المتبرع.
إذا أوصى الميت بالحج، يُفضل أن يتم الحج عنه من بلده الأصلي، لأنه الموضع الذي كان يتوجب عليه أداء الفريضة منه.
أما إذا لم تكن هناك وصية، فيمكن للمتبرع أن يحج عنه من الميقات، وهو رأي يُيسر على المتبرعين ويقلل النفقات.
بهذه التوضيحات، يظهر أن الإسلام يسَّر أمر أداء الحج عن الغير، خاصة في حالات العجز، مع الالتزام بشروط وضوابط واضحة، تحقيقًا للمقصد الشرعي من هذه الفريضة.